نام کتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز نویسنده : ابن عطية جلد : 2 صفحه : 541
موضع خبر الابتداء، وقوله فَأَخَذَهُمُ معناه أهلكهم وأتى عليهم بقرينة قوله بِذُنُوبِهِمْ ثم ابتدأ الإخبار بقوة الله تعالى وشدة عقابه.
قوله عز وجل:
[سورة الأنفال (8) : الآيات 53 الى 56]
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (54) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56)
ذلِكَ في موضع رفع على خبر الابتداء تقديره عند سيبويه الأمر ذلك، ويحتمل أن يكون التقدير وجب ذلك، والباء باء السبب، وقوله لَمْ يَكُ مُغَيِّراً جزم ب لَمْ وجزمه بحذف النون، والأصل يكون فإذا دخلت لم جاء لم يكن، ثم قالوا «لم يك مغيرا» كأنهم قصدوا التخفيف فتوهموا دخول «لم» على يكن فحذفت النون للجزم، وحسن ذلك فيها لمشابهتها حروف اللين التي تحذف للجزم كما قالوا لم أبال، ثم قالوا لم أبل فتوهموا دخول لم على أبال؟ ومعنى هذه الآية الإخبار بأن الله عز وجل إذا أنعم على قوم نعمة فإنه بلطفه ورحمته لا يبدأ بتغيرها وتكديرها حتى يجيء ذلك منهم بأن يغيروا حالهم التي تراد وتحسن منهم، فإذا فعلوا ذلك وتلبسوا بالتكسب للمعاصي أو الكفر الذي يوجب عقابهم غير الله نعمته عليهم بنقمته منهم، ومثال هذا نعمة الله على قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم فكفروا ما كان يجب أن يكونوا عليه، فغير الله تلك النعمة بأن نقلها إلى غيرهم من الأنصار وأحل بهم عقوبته.
وقوله وَأَنَّ عطف على الأولى، وسَمِيعٌ عَلِيمٌ أي لكل وبكل ما يقع من الناس في تغيير ما بأنفسهم لا يخفى عليه من ذلك سر ولا جهر، وقوله كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ الآية، الكاف من كَدَأْبِ في هذه الآية متعلقة بقوله حَتَّى يُغَيِّرُوا، وهذا التكرير هو لمعنى ليس للأول، إذ الأول دأب في أن هلكوا لما كفروا، وهذا الثاني دأب في أن لم تغير نعمتهم حتى غيروا ما بأنفسهم، وقد ذكرنا متعلقات الكاف في الآية الأولى، والإشارة بقوله الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ إلى قوم هود وصالح ونوح وشعيب وغيرهم، وقوله تعالى:
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ إلى يَتَّقُونَ المعنى المقصود تفضيل الدواب الذميمة كالخنزير والكلب العقور على الكافرين الذين حتم عليهم بأنهم لا يؤمنون، وهذا الذي يقتضيه اللفظ، وأما الكافر الذي يؤمن فيما يستأنفه من عمره فليس بشر الدواب، وقوله الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ يحتمل أن يريد أن الموصوف ب شَرَّ الدَّوَابِّ هم الذين لا يؤمنون المعاهدون من الكفار فكانوا شر الدواب على هذا بثلاثة أوصاف: الكفر والموافاة عليه والمعاهدة مع النقض، والَّذِينَ على هذا بدل البعض من الكل، ويحتمل أن يريد بقوله الَّذِينَ عاهَدْتَ الَّذِينَ الأولى، فتكون بدل الشيء من الشيء وهما لعين واحدة، والمعنى على هذا الذين عاهدت فرقة أو طائفة منهم، ثم ابتدأ يصف حال المعاهدين بقوله: ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ،
نام کتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز نویسنده : ابن عطية جلد : 2 صفحه : 541